fateh Admin
عدد المساهمات : 176 تاريخ التسجيل : 05/03/2010 العمر : 43 الموقع : www.tadjenanet.nat
| موضوع: تدبُّرُ القُرْآنِ الخميس ديسمبر 16, 2010 2:33 pm | |
| أنزل الله كتابَه الكريمَ ليُتلى و يُعمل به ؛ قال الله تعالى : ﴿ وَ اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ ﴾ ( الكهف : 27 ) ، و قال : ﴿ وَ هَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ
فَاتَّبِعُوهُ وَ اتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ ( الأنعام : 155 ) ، و قال : ﴿ اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَ لَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ ( الأعراف : 3 ) .
[/justify]
و لا يتمّ العملُ بالكتاب الكريم إلا بعد تدبُّرِ معانيهِ ، قال الله عزّ و جلّ : ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَ لِيَتَذَكَّرَ أُولُوا اْلأَلْبَابِ ﴾ ( ص : 29 ) ، و قد حصل لكثير من المسلمين في هذا الزّمان
ضَعفٌ ملحوظٌ ؛ لأنّهم تركوا العمل بكثيرٍ منه ، و قنعوا منه بما يجلبُ لهم بعض منافعهِ ، فاتّخذوه جُنّةً من الجِنّةِ ، واستولدوا به الأجنّة ، بل جمعوا به الأقوات ، وقَصَروا نفعه للأموات ، و ابتدعوا
قراءته إذا رجلٌ مات ، و الله يقول : ﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَ قُرْآنٌ مُبِينٌ . لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَ يَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾ ( يس : 69 - 70 ) ، فأين تفهّمُه و تنويرُ البصائر به و إحياءُ القلوب به ؟! و
أين العمل به و التأدّب بآدابه ؟! فكيف بتبليغه و الدّعوة إليه ؟ ! قال الله عزّ و جلّ : ﴿ أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا القَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ ءابَاءَهُمُ الأَوَّلِينَ ﴾ ( المؤمنون : 68 ) ، و ينبغي للمسلمين الحذر من هجر
تدبّره ؛ فإنّ هذا سبيلُ من أُقفل على قلوبهم ، قال الله عزّ و جلّ : ﴿ أَفَلاَ يتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ ( محمّد : 24 ) ، فإنّ ترك تدبّره أوّل حاجبٍ عن العمل به ، مع أنّ الله قد يسّره للذّكرِ ؛
كما قال : ﴿ وَ لَقَدْ يَسَّرْنَا القُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهْلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾ ( القمر : 17 ) ، و كذلك فإنّ الله أحكمَ آياته فلا ترى فيه تناقضًا و لا انحرافًا ، وقد مضى عليه أربعة عشر قرنا فلم يضع منه حرفٌ و لم
يُستنكر منه لفظٌ ؛ قال الله عزّ و جلّ : ﴿ أَفَلَا يَتَدبَّرُونَ القُرْآنَ وَ لَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافاً كَثِيرًا ﴾( النّساء : 82 ) ، و أخرج عبدُ الرّزّاق ( 5984 ) بسندٍ صحيحٍ عن الحسن أنّه قال
في قوله تعالى : ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَ لِيَتَذَكََّرَ أُولُوا الأَلْبَابِ ﴾ ( ص : 29 ) : " و ما تدبّرُ آياته إلا اتّباعُه بعمله ، و الله ! ما هو بحفظ حروفه و إضاعة حدوده ، حتّى إنّ أحدَهم
ليقولُ : و الله ! لقد قرأت القرآن كلّه و ما أُسقطُ منه حرفا واحدا ، و قد أَسقطَه كلّه ! ما ترى له في القرآن من خُلُق و لا عملٍ ، و حتّى إنّ أحدهم ليقول : و الله ! لأقرأُ السّورةَ في نَفَسٍ واحدٍ ! و الله !
ما هؤلاء بالقرّاء و لا العلماء و لا الحكماء و لا الورعة ! و متى كان القرّاء يقولون مثل هذا ؟! لا كثّر الله في المسلمين من هؤلاء !! " .
و قد جعل الله آياته باهرةً ، و حُجَجه قاهرةً ، كلّما مرّ عليه زمن ازدادت حجّته في الظّهور ، و أيقنت الخليقة معه بالقصور ، و لقد تحدّى الله به أفصح العرب إنسهم و جنّهم على أن يأتوا بمثله فعجزوا و
لو كانوا مجتمعين ، قال الله عزّ و جلّ : ﴿ قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتِ الِإنْسُ وَ الجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا القُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَ لَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾ ( الإسراء : 88 ) ، بل تحدّاهم على أن يأتوا
بعشر سورٍ مثله فقط فعجزوا ؛ قال الله عزّ وجلّ : ﴿ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بَعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَ ادْعُوا مَنْ اسْتَطَعْتُم مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ ( هود : 13 ) ، بل تنزّل معهم إلى أن
تحدّاهم بسورة واحدة ، فقال : ﴿ وَ إِنْ كُنْتُم فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَ ادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ ( البقرة : 23 ) ، وهذا تحدٍّ ما بعده تحدٍّ ! و لو لم يكن
سواه لكفى إعجازًا للبشريّة ودلالةً لهم على صدق الرّسالة المحمّديّة ، وقد كان من فضل الله على النّاس أنّه ما يُرسِل رسولاً إلّا يظهر حجّته بإظهار معجزته ، وجعل لرسوله محمّد صلّى الله عليه وسلّم
معجزاتٍ كثيرة ، أظهرها القرآن الكريم ؛ و لذلك روى البخاريُّ ( 4981 ) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال النبيّ صلّى الله عليه و سلّم : " ما من الأنبياء نبيّ إلا أعطي من الآيات ما مثله
آمن عليه البشر ، و إنّما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي ّ ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة " ، قال ابنُ حجرٍ في " الفتح " ( 6/582 ) : " و أشهر معجزات النبيّ صلى الله عليه وسلّم
: القرآن ، لأنّه صلى الله عليه وسلّم تحدّى به العرب و هم أفصح النّاس لسانا ، وأشدّهم اقتدارا على الكلام بأن يأتوا بسورة مثله فعجزوا ، مع شدّة عداوتهم له و صدّهم عنه ! حتّى قال بعض العلماء :
أقصر سورة في القرآن : ﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الكَوْثَرَ ﴾ ( الكوثر : 1 ) ، فكلّ قرآن من سورة أخرى كان قدر ﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الكَوْثَرَ ﴾ سواء كان آيةً أو أكثرَ أو بعضَ آيةٍ فهو داخلٌ فيما تحدّاهم به ، وعلى هذا
فتصل من هذه الحيثيّة إلى عدد كثير جدّا ، و وجوه إعجاز القرآن من جهة حسن تأليفه و التئام كلماته و فصاحته و إيجازه في مقام الإيجاز ، وبلاغته ظاهرة جدّا ، مع ما انظمّ إلى ذلك من حسن نظمه و
غرابة أسلوبه ، مع كونه على خلاف قواعد النّظم و النّثر ، هذا إلى ما اشتمل عليه من الإخبار بالمغيّبات ممّا وقع من أخبار الأمم الماضية ممّا كان لا يعلمه إلا أفراد من أهل الكتاب ، و لم يُعلم أنّ النّبيّ
صلّى الله عليه و سلّم اجتمع بأحد منهم و لا أخذ عنهم ، و بما سيقع فوقع على وفقِ ما أخبر به في زمنه صلّى الله عليه و سلّم و بعدَه ، هذا مع الهَيْبَة التي تقع عند تلاوته ، و الخشية التي تلحق سامعَه ،
و عدم دخول الملال و السّآمة على قارئه و سامعه مع تيسُّر حفظه لمتعلّميه ، و تسهيل سرده لتاليهِ ، و لا ينكر شيئا من ذلك إلا جاهلٌ أو معاندٌ ، و لهذا أطلق الأئمّة أنّ معظم معجزات النّبيّ صلّى الله
عليه وسلم القرآن ، و من أظهر معجزات القرآن إبقاؤه مع استمرار الإعجاز " .
و لا يزال التّحدي قائما إلى اليوم ، فعلى النّصارى و اليهود و المشركين أن يجمعوا بلاغيّيهم و شعراءهم و أدباءهم العرب ليأتوا بمثل سورة واحدة إن كانوا صادقين في تكذيب هذا الكتاب ! و هل يُعقل
أن يأتي أُمّيٌّ من جزيرة العرب بكتاب يتحدّى به جموع قومه و فيهم الخطباء و البلغاء ، ثمّ يتحدّى أحفادهم و أحفاد أحفادهم إلى آخر زمن البشريّة ؟! و هل يُعقل أن يغلب رجلٌ واحدٌ ملايينَ الرّجال على
مدى التّاريخ البشريّ ؟! قال ابنُ القيّم في " بدائع الفوائد " ( 4 /1547 - العمران ) : " إن حصل لكم ريب في القرآن و صدق من جاء به و قلتم : إنّه مفتعلٌ ، فأتوا و لو بسورة واحدة تُشبهه ،
وهذا خطاب لأهل الأرض أجمعهم ، ومن المحال أن يأتي واحد منهم بكلام يفتعله و يختلقه من تلقاء نفسه ، ثمّ يطالب أهل الأرض بأجمعهم أن يعارضوه في أيسر جزء منه ، يكون مقداره ثلاث آيات من
عدّة ألوف ، ثمّ تعجز الخلائق كلّهم عن ذلك ، حتّى إنّ الذين راموا معارضته كان ما عارضوه من أقوى الأدلّة على صدقه ، فإنّهم أتوا بشيء يستحي العقلاء من سماعه ، ويحكمون بسماجته و قبح
ركاكته و خسّته ، فهو كمن أظهر طيبًا لم يَشمَّ أحد مثل ريحه قطّ ، وتحدّى الخلائق ملوكهم وسوقتهم بأن يأتوا بذرّةِ طيبٍ مثله ، فاستحى العقلاء و عرفوا عجزهم ، وجاء الحُمقانُ بعذرة منتنةٍ خبيثةٍ ، و
قالوا : قد جئنا بمثل ما جئت به ، فهل يزيد هذا ما جاء به إلا قُوّةً و برهاناً و عَظَمةً و جلالةً ؟ | |
|